شهر رجب [ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ]
صفحة 1 من اصل 1
شهر رجب [ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ]
الأشهر الحرم... تعريفها... ومضاعفة الثواب والعقاب فيها !!
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله ربِّ العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلَّم تسليماً كثيراً .
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتيقنوا أن لله تعالى الحكمة البالغة فيما يصطفي من خلقه فالله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ويفضل من الأوقات أوقاتا ومن الأمكنة أماكن ففضل الله تعالى مكة على سائر البقاع ثم من بعدها المدينة مهاجر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ثم من بعدهما بيت المقدس مكان غالب الأنبياء الذين قص الله علينا نبأهم وجعل لمكة والمدينة حرما دون بيت المقدس.
وفضل الله تعالى بعض الشهور والأيام والليالي على بعض فعدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية وشهر رجب الفرد بين جمادى وشعبان وخير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة وليلة القدر خير من ألف شهر فعظموا رحمكم الله تعالى ما عظمه الله فلقد ذكر أهل العلم أن الحسنات تضاعف في كل زمان ومكان فاضل وأن السيئات تعظم في كل زمان ومكان فاضل وشاهد هذا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله يقول الله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وقال تعالى في المسجد الحرام ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم .
وإنكم اليوم تستقبلون شهر رجب أحد الأشهر الحرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم التزموا حدود الله تعالى أقيموا فرائض الله واجتنبوا محارمه أدوا الحقوق فيما بينكم وبين ربكم وفيما بينكم وبين عباده .
واعلموا أن الشيطان قد قعد لابن آدم كل مرصد وأقسم لله ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا يجد أكثرهم شاكرين أقسم لله بعزة الله ليغوينهم أجمعين إلا عباد الله المخلصين . إن الشيطان لحريص كل الحرص على إغواء بني آدم وإضلالهم يصدهم عن دين الله يأمرهم بالفحشاء والمنكر يحبب إليهم المعاصي ويكره إليهم الطاعات يأتيهم من كل جانب ويقذفهم بسهامه من كل جبهة إن رأى من العبد رغبة في الخير ثبطه عنه وأقعده فإن عجز عنه من هذا الجانب جاءه من جانب الغلو والوسواس والشكوك وتعدي الحدود في الطاعة فأفسدها عليه .
فإن عجز عنه من جانب الطاعات جاءه من جانب المعاصي فينظر أقوى المعاصي هدما لدينه فأوقعه فيها فإن عجز عنه من هذا الجانب حاوله من جانب أسهل فأوقعه فيما دونها من المعاصي فإذا وقع في شرك المعاصي فقد نال الشيطان منه بغيته . . فإن يكسل في نفسه تارة ويفتح عليه الشيطان باب التسويف تارة يقول له: هذه هينة أفعلها هذه المرة وتب إلى الله تعالى فباب التوبة مفتوح وربك غفور رحيم فلا يزال به يعده ويمنيه وما يعده إلا غرورا فإذا وقع في هذه المعصية التي كان يراها من قبل صعبة كبيرة وهانت عليه تدرج به الشيطان إلى ما هو أكبر منها وهكذا أبدا حتى يخرجه من دينه كله ولقد أشار النبي إلى هذا التدرج فيما رواه الإمام أحمد عن سهل بن سعد أن النبي قال: ((إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وذا بعود حتى أنضجوا خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه)).
* فالأشهر الحرم : هي أربعة أشهر كما قال الله: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [التوبة:36].
وقد فصّل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أجمله القرآن، وبيَّن أن هذه الأشهر هي: رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، قال - صلى الله عليه وسلم -:
{ إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان } .
وأكَّد حرمة شهر ذي الحجة فقال في حجة الوداع: { أي شهر هذا؟ } قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:
{ شهر حرام }، قال: { فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذ }.
وذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة، وذلك في قوله تعالى:
{ ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [البقرة:194]. فالآية نزلت في حبس قريش للمسلمين عام الحديبية عن البيت في شهر ذي القعدة الحرام، فاعتمر - صلى الله عليه وسلم - عمرة القضاء في السنة التالية في شهر ذي القعدة[.
• وسُمي رجب برجب مضر لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكانت مضر تحرم رجباً نفسه، فلذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { الذي بين جمادى وشعبان } ليرفع ما وقع في اسمه من الاختلال.
كما كانت العرب تسميه: منْصِل الأسنة، فعن أبي رجاء العطاردي قال: فإذا دخل شهر رجب قلنا: منْصِل الأسِنَّة، فلم ندع رمحاً فيه حديدة ولا سهماً فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه.
وكانوا يسمونه أيضا رجب الأصم لسكون أصوات السلاح وقعقعته فيه.
• والأربعة الحرم حرمها العرب في الجاهلية.
وسبب تحريمهم القعدة والحجة ومحرم هو أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهراً ليتمكنوا من السير إلى الحج ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداء مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهراً ليعودوا إلى ديارهم. وحرموا شهر رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والإعمار، فيأمن قاصد البيت الغارة فيه.
وقد كانت بعض العرب تحرم ثمانية أشهر، وهم طائفة يقال لهم: البَسل.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: { استدار كهيئته }، قيل: إنه تثبيت منه - صلى الله عليه وسلم - لعدة الشهور ومحلها، إذ كانت العرب تحج أكثر سنيها في غير ذي الحجة، وقد وافق حج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجهم في ذي الحجة.
وقال ابن كثير: "أي الأمر اليوم شرعاً كما ابتدأ الله ذلك في كتابه يوم خلق السموات والأرض ". وهو الصحيح لأن الصديق عندما حج إنما حج في ذي الحجة، وقد سماه الله الحج الأكبر، فالنسيء إنما كان في تأخير حرمة الشهر الحرام من محرم إلى صفر أو غيره، لا في تغيير أسماء الشهور.
ما جاء في القرآن عن حرمة الأشهر الحرم:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾ [ التوبة:36].
قوله: ﴿ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ قال البغوي: أي في حكم الله، وقيل: في اللوح المحفوظ.
قوله: ﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ ﴾ فسروا الظلم بأنه فعل المعاصي وترك الطاعات، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح.
قال قتادة: "العمل الصالح أعظم أجراً في الأشهر الحرم، والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيم ".
وقال ابن عباس: " يريد استحلال الحرام والغارة فيهن ".
وقال محمد بن إسحاق: "لا تجعلوا حلالها حراماً، ولا حرامها حلالاً كفعل أهل الشرك، وهو النسيء ".
قوله: { فِيهِنَّ} قال البغوي: ينصرف إلى جميع شهور السنة، ونقل ذلك عن ابن عباس، وقيل: أي الأشهر الحرم ومال إليه ابن كثير، وقال: " لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام".
= قال ابن العربي: "المسألة السابعة: قوله تعالى: ﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾ فيه قولان: أحدهما: لا تظلموا أنفسكم في الشهور كلها، وقيل في الثاني: المراد بذلك الأشهر الحرم.
واختلف في المراد بالظلم على قولين أيضا: أحدهما: لا تظلموا فيهن أنفسكم بتحليلهن، وقيل: بارتكاب الذنوب فيهن; فإن الله إذا عظم شيئا من جهة صارت له حرمة واحدة, وإذا عظمه من جهتين أو من جهات صارت حرمته متعددة بعدد جهات التحريم, ويتضاعف العقاب بالعمل السوء فيها, كما ضاعف الثواب بالعمل الصالح فيها; فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام والمسجد الحرام ليس كمن أطاعه في شهر حلال في بلد حلال في بقعة حلال. وكذلك العصيان والعذاب مثله في الموضعين والحالين والصفتين; وذلك كله بحكم الله وحكمته. وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿ يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ لعظمهن وشرفهن في أحد القولين".
القليل منا هو من يعرف أحكام الأشهر الحرم وما الواجب على المسلم فيها.؟!
= الأشهر الحرم قبل الإسلام :
كانت الأشهر الحرم معظمة في شريعة إبراهيم، واستمر ذلك باقيًا، فكان العرب قبل الإسلام يعظمونها ويحرمون القتال فيها، حتى بدأ العرب باستخدام النسيء في تقويمهم، مما أدى إلى تأجيل الأشهر الحرام في بعض السنوات أو تعجيلها. وقد ذُكر هذا التقويم في القرآن بصيغة الإنكار:
{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(37﴾}سورة التوبة
التزم العرب في الجزيرة بعدم القتال في الأشهر الحرم وشذت عن ذلك قبائل بنو خثعم وبنو طي إذ كانوا يستحلون في تلك الشهور الحروب.
الأشهر الحرم في الإسلام :
حفظ الإسلام لهذه الأشهر حرمتها ونهي المسلمون عن انتهاكها.
* في السنة النبوية : بيَّنَها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم؛ ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان».
* في القرآن : ذكرت الأشهر الحرم في القرآن:
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36﴾}سورة التوبة
وجاء في كتب التفسير عند الآية "فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ" قال قتادة: إن الظلم في الأشهر الحُرُم أعظم خطيئةٍ ووِزْرًا من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء. وقال: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رُسلا ومن الناس رُسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجدَ، واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهرَ الحرمَ، واصطفى من الأيام يومَ الجمعةِ، واصطفى من الليالي ليلةَ القدرِ فعَظِّموا ما عظَّم الله.
= ما سبب تسمية الاشهر الحرم بهذا الاسم ؟ ولماذا حرم فيها القتال؟.
فإن الأشهر الحرم كانت تعظم على عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر العرب على التحريم، قال صاحب التفسير المنير: وكان القتال محرمًا في هذه الأشهر الأربعة على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر العرب على ذلك
* وأما الحكمة من تحريم القتال فيها، فقد أوردها ابن كثير في تفسيره. قال: وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سرد، وواحد فرد، لأجل مناسك الحج والعمرة، فحرم (قبل شهر الحج )شهر وهو (ذو القعدة)، لأنهم يقعدون فيه عن القتال، (وحرم شهر ذي الحجة) لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرم ( بعده شهر آخر وهو المحرم) ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، (وحرم رجب) في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمناً.
* القتال في الأشهر الحرم:
اتفق العلماء على جواز دفع العدو وقتاله إذا قاتلنا في الشهر الحرام، واختلفوا في تحريم الابتداء بالقتال في الأشهر الحرم: هل نسخ أم لا؟
القول الأول: أنه منسوخ بقوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾ [التوبة:36]، وهذا هو الأشهر، فيجوز الابتداء بالقتال في شهر حرام، فقد حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف في ذي القعدة، ورجحه القرطبي.
القول الثاني: أنه حرام لم ينسخ لقوله تعالى: ﴿ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ ﴾ [المائدة:2]، وقوله: ﴿ ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة:194]، وعن جابر - رضي الله عنه -ما: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغزى أو يُغزَوا، فإذا حضر أقام ذلك حتى ينسلخ .
وقالوا عن حصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للطائف: إنما هو من تتمة قتال هوازن وأهل الطائف، حيث جمعوا الرجال وتجهزوا للقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك في شوال، فكان حصاره لهم أربعين يوماً استكمالاً للقتال لا ابتداءً له.
• = النسيء في الأشهر الحرم:
• النسيء هو تأخير حرمة شهر من الشهور الحرام إلى غيره من الشهور.
• وسبب النسيء أن العرب كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها، فكانوا ينسؤون المحرم ليقاتلوا فيه، وكانوا يعلنون ذلك في شهر ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم ليكون في ذلك بلاغ لكل العرب.
كانوا إذا أحلوا شهراً من الحرام حرموا مقابله شهراً في الحلال ليوافقوا العدد الذي جعله حراماً؛ ﴿ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ ﴾ [التوبة:37].
• واختلفوا في أول من نسأ النسيء فقال ابن عباس وغيره في التابعين: هم بنو مالك بن كنانة، وأولهم أبو ثمامة جناد بن عوف الكناني.
قال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، وكان يكون أميراً على الناس بالموسم، فإذا همّ الناس بالصدر قام فخطب الناس فقال: لا مرد لما قضيت، أنا الذي لا أعاب ولا أجاب، فيقول له المشركون: لبيك، ثم يسألونه أن ينسأهم شهراً يغيرون فيه، فيقول: فإن صفر العام حرام، فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ونزعوا الأسنة والأزجة، وإن قال: حلال عقدوا الأوتار وشدوا الأزجة وأغاروا. وكان من بعده جنادة بن عوف وقد أدركه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• قال ابن العربي: "المسألة الثانية: كيفية النسيء ثلاثة أقوال:
الأول: عن ابن عباس أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم كل عام, فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يعاب ولا يجاب, ألا وإن صفرا العام الأول حلال, فنحرمه عاما, ونحله عاما, وكانوا مع هوازن وغطفان وبني سليم. وفي لفظة أنه كان يقول: إنا قدمنا المحرم وأخرنا صفرا, ثم يأتي العام الثاني فيقول: إنا حرمنا صفرا وأخرنا المحرم; فهو هذا التأخير.
الثاني: الزيادة; قال قتادة: عمد قوم من أهل الضلالة فزادوا صفرا في الأشهر الحرم, فكان يقوم قائمهم في الموسم فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت العام المحرم, فيحرمونه ذلك العام, ثم يقوم في العام المقبل فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت صفرا فيحرمونه ذلك العام, ويقولون: الصفران. وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك نحوه، قال: كان أهل الجاهلية يجعلونه صفرين, فلذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { لا صفر }[26]، وكذلك روى أشهب عنه.
الثالث: تبديل الحج; قال مجاهد بإسناد آخر: ﴿ إِنَّمَا ٱلنَّسِىء زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ ﴾ قال: حجوا في ذي الحجة عامين, ثم حجوا في المحرم عامين, ثم حجوا في صفر عامين, فكانوايحجون في كل سنة في كل شهر عامين حتى وافت حجة أبي بكر في ذي القعدة, ثم حج النبي في ذي الحجة, فذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح في خطبته: { إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض}. ورواه ابن عباس وغيره قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { أيها الناس, اسمعوا قولي, فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا في هذا الموقف. أيها الناس, إن دماءكم وأموالكم حرام إلى يوم تلقون ربكم, كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا, في بلدكم هذا, وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. وقد بلغت, فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها, وإن كل ربا موضوع, ولكم رؤوس أموالكم, لا تظلمون ولا تظلمون, قضى الله أن لا ربا, وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله, وإن كل دم في الجاهلية موضوع, وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب, كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل, فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية. أما بعد:
أيها الناس, فإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم, ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فقد رضي به, فاحذروه ـ أيها الناس ـ على دينكم, وإن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا... ـ إلى قوله: ـ ما حرم الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا, منها أربعة حرم; ثلاث متواليات، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان } وذكر سائر الحديث.
• وقد استقامت الشهور وانضبطت في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: { ألا إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان }.
• هل الصيد فى الأشهر الحرم حرام ؟
الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وهي المرادة بقوله تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } ، ولا حرج من الصيد فيها ، إنما التحريم للصيد متعلق بأمرين :
الأول : الإحرام بحج أو عمرة لقوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(95 )} سورة المائدة.
قال ابن كثير رحمه الله : "وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام ، ونهي عن تعاطيه فيه " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 99 ) .
الثاني : الصيد في حدود الحرم ، والمقصود به مكة والمدينة للأحاديث الواردة في ذلك .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال : { إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر ، لا ينفَّر صيدُها ولا يعضد شوكها } رواه البخاري ( 1284 ) ومسلم ( 1353 ) .
والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا ينفر صيدها ) فهذا الحديث نص في تحريم تنفير الصيد في مكة ، وأولى منه تحريم الصيد نفسه .
وأما المدينة فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول : لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ ما بين لابتيها حرام } رواه البخاري ( 1774 ) ومسلم ( 1372 ) .
واللابة يقال لها : الحَرَّة ، وهي الحجارة السوداء ، والمدينة بين لابتين ، شرقية وغربية .
أما الأشهر الحرم فلا علاقة بينها وبين تحريم الصيد .
* = صيام الأشهر الحرم:
لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء في استحباب وتخصيص الأشهر الحرم بالصيام.
وأما حديث أبي السليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي آخره قال له - صلى الله عليه وسلم -: { صم من الحُرُم واترك، صم من الحُرُم واترك، صم من الحُرُم واترك } ، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها، فحديث ضعيف
والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله ربِّ العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلَّم تسليماً كثيراً .
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتيقنوا أن لله تعالى الحكمة البالغة فيما يصطفي من خلقه فالله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ويفضل من الأوقات أوقاتا ومن الأمكنة أماكن ففضل الله تعالى مكة على سائر البقاع ثم من بعدها المدينة مهاجر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ثم من بعدهما بيت المقدس مكان غالب الأنبياء الذين قص الله علينا نبأهم وجعل لمكة والمدينة حرما دون بيت المقدس.
وفضل الله تعالى بعض الشهور والأيام والليالي على بعض فعدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية وشهر رجب الفرد بين جمادى وشعبان وخير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة وليلة القدر خير من ألف شهر فعظموا رحمكم الله تعالى ما عظمه الله فلقد ذكر أهل العلم أن الحسنات تضاعف في كل زمان ومكان فاضل وأن السيئات تعظم في كل زمان ومكان فاضل وشاهد هذا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله يقول الله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وقال تعالى في المسجد الحرام ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم .
وإنكم اليوم تستقبلون شهر رجب أحد الأشهر الحرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم التزموا حدود الله تعالى أقيموا فرائض الله واجتنبوا محارمه أدوا الحقوق فيما بينكم وبين ربكم وفيما بينكم وبين عباده .
واعلموا أن الشيطان قد قعد لابن آدم كل مرصد وأقسم لله ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا يجد أكثرهم شاكرين أقسم لله بعزة الله ليغوينهم أجمعين إلا عباد الله المخلصين . إن الشيطان لحريص كل الحرص على إغواء بني آدم وإضلالهم يصدهم عن دين الله يأمرهم بالفحشاء والمنكر يحبب إليهم المعاصي ويكره إليهم الطاعات يأتيهم من كل جانب ويقذفهم بسهامه من كل جبهة إن رأى من العبد رغبة في الخير ثبطه عنه وأقعده فإن عجز عنه من هذا الجانب جاءه من جانب الغلو والوسواس والشكوك وتعدي الحدود في الطاعة فأفسدها عليه .
فإن عجز عنه من جانب الطاعات جاءه من جانب المعاصي فينظر أقوى المعاصي هدما لدينه فأوقعه فيها فإن عجز عنه من هذا الجانب حاوله من جانب أسهل فأوقعه فيما دونها من المعاصي فإذا وقع في شرك المعاصي فقد نال الشيطان منه بغيته . . فإن يكسل في نفسه تارة ويفتح عليه الشيطان باب التسويف تارة يقول له: هذه هينة أفعلها هذه المرة وتب إلى الله تعالى فباب التوبة مفتوح وربك غفور رحيم فلا يزال به يعده ويمنيه وما يعده إلا غرورا فإذا وقع في هذه المعصية التي كان يراها من قبل صعبة كبيرة وهانت عليه تدرج به الشيطان إلى ما هو أكبر منها وهكذا أبدا حتى يخرجه من دينه كله ولقد أشار النبي إلى هذا التدرج فيما رواه الإمام أحمد عن سهل بن سعد أن النبي قال: ((إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وذا بعود حتى أنضجوا خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه)).
* فالأشهر الحرم : هي أربعة أشهر كما قال الله: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [التوبة:36].
وقد فصّل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أجمله القرآن، وبيَّن أن هذه الأشهر هي: رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، قال - صلى الله عليه وسلم -:
{ إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان } .
وأكَّد حرمة شهر ذي الحجة فقال في حجة الوداع: { أي شهر هذا؟ } قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:
{ شهر حرام }، قال: { فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذ }.
وذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة، وذلك في قوله تعالى:
{ ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [البقرة:194]. فالآية نزلت في حبس قريش للمسلمين عام الحديبية عن البيت في شهر ذي القعدة الحرام، فاعتمر - صلى الله عليه وسلم - عمرة القضاء في السنة التالية في شهر ذي القعدة[.
• وسُمي رجب برجب مضر لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكانت مضر تحرم رجباً نفسه، فلذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { الذي بين جمادى وشعبان } ليرفع ما وقع في اسمه من الاختلال.
كما كانت العرب تسميه: منْصِل الأسنة، فعن أبي رجاء العطاردي قال: فإذا دخل شهر رجب قلنا: منْصِل الأسِنَّة، فلم ندع رمحاً فيه حديدة ولا سهماً فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه.
وكانوا يسمونه أيضا رجب الأصم لسكون أصوات السلاح وقعقعته فيه.
• والأربعة الحرم حرمها العرب في الجاهلية.
وسبب تحريمهم القعدة والحجة ومحرم هو أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهراً ليتمكنوا من السير إلى الحج ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداء مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهراً ليعودوا إلى ديارهم. وحرموا شهر رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والإعمار، فيأمن قاصد البيت الغارة فيه.
وقد كانت بعض العرب تحرم ثمانية أشهر، وهم طائفة يقال لهم: البَسل.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: { استدار كهيئته }، قيل: إنه تثبيت منه - صلى الله عليه وسلم - لعدة الشهور ومحلها، إذ كانت العرب تحج أكثر سنيها في غير ذي الحجة، وقد وافق حج النبي - صلى الله عليه وسلم - حجهم في ذي الحجة.
وقال ابن كثير: "أي الأمر اليوم شرعاً كما ابتدأ الله ذلك في كتابه يوم خلق السموات والأرض ". وهو الصحيح لأن الصديق عندما حج إنما حج في ذي الحجة، وقد سماه الله الحج الأكبر، فالنسيء إنما كان في تأخير حرمة الشهر الحرام من محرم إلى صفر أو غيره، لا في تغيير أسماء الشهور.
ما جاء في القرآن عن حرمة الأشهر الحرم:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾ [ التوبة:36].
قوله: ﴿ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ قال البغوي: أي في حكم الله، وقيل: في اللوح المحفوظ.
قوله: ﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ ﴾ فسروا الظلم بأنه فعل المعاصي وترك الطاعات، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح.
قال قتادة: "العمل الصالح أعظم أجراً في الأشهر الحرم، والظلم فيهن أعظم من الظلم فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيم ".
وقال ابن عباس: " يريد استحلال الحرام والغارة فيهن ".
وقال محمد بن إسحاق: "لا تجعلوا حلالها حراماً، ولا حرامها حلالاً كفعل أهل الشرك، وهو النسيء ".
قوله: { فِيهِنَّ} قال البغوي: ينصرف إلى جميع شهور السنة، ونقل ذلك عن ابن عباس، وقيل: أي الأشهر الحرم ومال إليه ابن كثير، وقال: " لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام".
= قال ابن العربي: "المسألة السابعة: قوله تعالى: ﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾ فيه قولان: أحدهما: لا تظلموا أنفسكم في الشهور كلها، وقيل في الثاني: المراد بذلك الأشهر الحرم.
واختلف في المراد بالظلم على قولين أيضا: أحدهما: لا تظلموا فيهن أنفسكم بتحليلهن، وقيل: بارتكاب الذنوب فيهن; فإن الله إذا عظم شيئا من جهة صارت له حرمة واحدة, وإذا عظمه من جهتين أو من جهات صارت حرمته متعددة بعدد جهات التحريم, ويتضاعف العقاب بالعمل السوء فيها, كما ضاعف الثواب بالعمل الصالح فيها; فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام والمسجد الحرام ليس كمن أطاعه في شهر حلال في بلد حلال في بقعة حلال. وكذلك العصيان والعذاب مثله في الموضعين والحالين والصفتين; وذلك كله بحكم الله وحكمته. وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿ يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ لعظمهن وشرفهن في أحد القولين".
القليل منا هو من يعرف أحكام الأشهر الحرم وما الواجب على المسلم فيها.؟!
= الأشهر الحرم قبل الإسلام :
كانت الأشهر الحرم معظمة في شريعة إبراهيم، واستمر ذلك باقيًا، فكان العرب قبل الإسلام يعظمونها ويحرمون القتال فيها، حتى بدأ العرب باستخدام النسيء في تقويمهم، مما أدى إلى تأجيل الأشهر الحرام في بعض السنوات أو تعجيلها. وقد ذُكر هذا التقويم في القرآن بصيغة الإنكار:
{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(37﴾}سورة التوبة
التزم العرب في الجزيرة بعدم القتال في الأشهر الحرم وشذت عن ذلك قبائل بنو خثعم وبنو طي إذ كانوا يستحلون في تلك الشهور الحروب.
الأشهر الحرم في الإسلام :
حفظ الإسلام لهذه الأشهر حرمتها ونهي المسلمون عن انتهاكها.
* في السنة النبوية : بيَّنَها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم؛ ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان».
* في القرآن : ذكرت الأشهر الحرم في القرآن:
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36﴾}سورة التوبة
وجاء في كتب التفسير عند الآية "فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ" قال قتادة: إن الظلم في الأشهر الحُرُم أعظم خطيئةٍ ووِزْرًا من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء. وقال: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رُسلا ومن الناس رُسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجدَ، واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهرَ الحرمَ، واصطفى من الأيام يومَ الجمعةِ، واصطفى من الليالي ليلةَ القدرِ فعَظِّموا ما عظَّم الله.
= ما سبب تسمية الاشهر الحرم بهذا الاسم ؟ ولماذا حرم فيها القتال؟.
فإن الأشهر الحرم كانت تعظم على عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر العرب على التحريم، قال صاحب التفسير المنير: وكان القتال محرمًا في هذه الأشهر الأربعة على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر العرب على ذلك
* وأما الحكمة من تحريم القتال فيها، فقد أوردها ابن كثير في تفسيره. قال: وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سرد، وواحد فرد، لأجل مناسك الحج والعمرة، فحرم (قبل شهر الحج )شهر وهو (ذو القعدة)، لأنهم يقعدون فيه عن القتال، (وحرم شهر ذي الحجة) لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرم ( بعده شهر آخر وهو المحرم) ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، (وحرم رجب) في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمناً.
* القتال في الأشهر الحرم:
اتفق العلماء على جواز دفع العدو وقتاله إذا قاتلنا في الشهر الحرام، واختلفوا في تحريم الابتداء بالقتال في الأشهر الحرم: هل نسخ أم لا؟
القول الأول: أنه منسوخ بقوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾ [التوبة:36]، وهذا هو الأشهر، فيجوز الابتداء بالقتال في شهر حرام، فقد حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف في ذي القعدة، ورجحه القرطبي.
القول الثاني: أنه حرام لم ينسخ لقوله تعالى: ﴿ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ ﴾ [المائدة:2]، وقوله: ﴿ ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة:194]، وعن جابر - رضي الله عنه -ما: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغزى أو يُغزَوا، فإذا حضر أقام ذلك حتى ينسلخ .
وقالوا عن حصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للطائف: إنما هو من تتمة قتال هوازن وأهل الطائف، حيث جمعوا الرجال وتجهزوا للقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك في شوال، فكان حصاره لهم أربعين يوماً استكمالاً للقتال لا ابتداءً له.
• = النسيء في الأشهر الحرم:
• النسيء هو تأخير حرمة شهر من الشهور الحرام إلى غيره من الشهور.
• وسبب النسيء أن العرب كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها، فكانوا ينسؤون المحرم ليقاتلوا فيه، وكانوا يعلنون ذلك في شهر ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم ليكون في ذلك بلاغ لكل العرب.
كانوا إذا أحلوا شهراً من الحرام حرموا مقابله شهراً في الحلال ليوافقوا العدد الذي جعله حراماً؛ ﴿ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ ﴾ [التوبة:37].
• واختلفوا في أول من نسأ النسيء فقال ابن عباس وغيره في التابعين: هم بنو مالك بن كنانة، وأولهم أبو ثمامة جناد بن عوف الكناني.
قال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، وكان يكون أميراً على الناس بالموسم، فإذا همّ الناس بالصدر قام فخطب الناس فقال: لا مرد لما قضيت، أنا الذي لا أعاب ولا أجاب، فيقول له المشركون: لبيك، ثم يسألونه أن ينسأهم شهراً يغيرون فيه، فيقول: فإن صفر العام حرام، فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ونزعوا الأسنة والأزجة، وإن قال: حلال عقدوا الأوتار وشدوا الأزجة وأغاروا. وكان من بعده جنادة بن عوف وقد أدركه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• قال ابن العربي: "المسألة الثانية: كيفية النسيء ثلاثة أقوال:
الأول: عن ابن عباس أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم كل عام, فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يعاب ولا يجاب, ألا وإن صفرا العام الأول حلال, فنحرمه عاما, ونحله عاما, وكانوا مع هوازن وغطفان وبني سليم. وفي لفظة أنه كان يقول: إنا قدمنا المحرم وأخرنا صفرا, ثم يأتي العام الثاني فيقول: إنا حرمنا صفرا وأخرنا المحرم; فهو هذا التأخير.
الثاني: الزيادة; قال قتادة: عمد قوم من أهل الضلالة فزادوا صفرا في الأشهر الحرم, فكان يقوم قائمهم في الموسم فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت العام المحرم, فيحرمونه ذلك العام, ثم يقوم في العام المقبل فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت صفرا فيحرمونه ذلك العام, ويقولون: الصفران. وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك نحوه، قال: كان أهل الجاهلية يجعلونه صفرين, فلذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { لا صفر }[26]، وكذلك روى أشهب عنه.
الثالث: تبديل الحج; قال مجاهد بإسناد آخر: ﴿ إِنَّمَا ٱلنَّسِىء زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ ﴾ قال: حجوا في ذي الحجة عامين, ثم حجوا في المحرم عامين, ثم حجوا في صفر عامين, فكانوايحجون في كل سنة في كل شهر عامين حتى وافت حجة أبي بكر في ذي القعدة, ثم حج النبي في ذي الحجة, فذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح في خطبته: { إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض}. ورواه ابن عباس وغيره قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { أيها الناس, اسمعوا قولي, فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا في هذا الموقف. أيها الناس, إن دماءكم وأموالكم حرام إلى يوم تلقون ربكم, كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا, في بلدكم هذا, وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. وقد بلغت, فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها, وإن كل ربا موضوع, ولكم رؤوس أموالكم, لا تظلمون ولا تظلمون, قضى الله أن لا ربا, وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله, وإن كل دم في الجاهلية موضوع, وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب, كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل, فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية. أما بعد:
أيها الناس, فإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم, ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فقد رضي به, فاحذروه ـ أيها الناس ـ على دينكم, وإن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا... ـ إلى قوله: ـ ما حرم الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض, وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا, منها أربعة حرم; ثلاث متواليات، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان } وذكر سائر الحديث.
• وقد استقامت الشهور وانضبطت في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: { ألا إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان }.
• هل الصيد فى الأشهر الحرم حرام ؟
الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وهي المرادة بقوله تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } ، ولا حرج من الصيد فيها ، إنما التحريم للصيد متعلق بأمرين :
الأول : الإحرام بحج أو عمرة لقوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(95 )} سورة المائدة.
قال ابن كثير رحمه الله : "وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام ، ونهي عن تعاطيه فيه " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 99 ) .
الثاني : الصيد في حدود الحرم ، والمقصود به مكة والمدينة للأحاديث الواردة في ذلك .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال : { إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحلل لي إلا ساعة من الدهر ، لا ينفَّر صيدُها ولا يعضد شوكها } رواه البخاري ( 1284 ) ومسلم ( 1353 ) .
والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا ينفر صيدها ) فهذا الحديث نص في تحريم تنفير الصيد في مكة ، وأولى منه تحريم الصيد نفسه .
وأما المدينة فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول : لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ ما بين لابتيها حرام } رواه البخاري ( 1774 ) ومسلم ( 1372 ) .
واللابة يقال لها : الحَرَّة ، وهي الحجارة السوداء ، والمدينة بين لابتين ، شرقية وغربية .
أما الأشهر الحرم فلا علاقة بينها وبين تحريم الصيد .
* = صيام الأشهر الحرم:
لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء في استحباب وتخصيص الأشهر الحرم بالصيام.
وأما حديث أبي السليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي آخره قال له - صلى الله عليه وسلم -: { صم من الحُرُم واترك، صم من الحُرُم واترك، صم من الحُرُم واترك } ، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها، فحديث ضعيف
والله أعلم
مواضيع مماثلة
» وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ .. شهر رمضان
» شهر شعبان [ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ]
» وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [ عاشوراء لا علاقة له بمقتل سيدنا الحسين رضى الله عنه]
» شهر شعبان [ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ]
» وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [ عاشوراء لا علاقة له بمقتل سيدنا الحسين رضى الله عنه]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى